المجتمع الإسرائيلي – من يديعوت احرونوت
إسرائيل هي الوطن الذي يجمع بين فئات من السكان تتميّز بتنوّع كبير من حيث الخلفية العرقية والدينية والثقافية والاجتماعية. المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع جديد ولكن جذوره تعود الى الماضي البعيد؛ وهو يمر الآن بمراحل من التماسك والتطور. ويبلغ عدد سكان إسرائيل ٥,٥ مليون نسمة, منهم ٢,٨١ بالمائة من اليهود (اكثر من ٥٠ بالمائة منهم من مواليد البلاد, اما بقيتهم فقد قدموا من ٧٠ دولة مختلفة). ويشكل المواطنون العرب (معظمهم من المسلمين)
١,١٧ من السكان؛ وتشمل البقية – اي ٧,١ بالمائة المواطنين الدروز والشركس وطوائف اخرى صغيرة. والمجتمع الإسرائيلي ذو متوسط سن منخفض (٤,٢٦), ويعتبر هذا المجتمع عموما ذا التزام اجتماعي وديني, وايديولوجية سياسية, كما يتميز بمقدرة اقتصادية حسنة وميول خلاقة في المجالات الثقافية. ولا شك ان كل هذه الامور تساهم في اعطاء زخم ديناميكي لاستمرار تطور المجتمع.
المجتمع اليهودي
الطريق الطويل الى الوطن
تبعثر ابناء الشعب اليهودي, في اعقاب طردهم من ارض إسرائيل قبل حوالي ٢٠٠٠ عام, في اقطار العالم – وخاصة في اوربا وشمال افريقيا والشرق الاوسط. وقد اسسوا على مرّ السنين العديد من الطوائف اليهودية الهامة في اقطار مختلفة, وشهدوا فترات من النمو والازدهار ولكنهم عانوا ايضا من تمييز قاس وتعرضوا المذابح وحشية ولطرد جماعي او جزئي. ودعمت كل موجة من الاضطهاد والعنف ايمانهم بفكرة "جمع الشتات", وحدت بجماعات وافراد من ابناء الشعب اليهودي بالعودة الى وطن الآباء والاجداد. وحين تأسست الحركة القومية اليهودية-الصهيونية – في اواخر القرن ال-١٩, تحوّلت هذه الفكرة الى اسلوب حياة. وبعد قيام دولة إسرائيل تم سنّ قانون العودة الذي يمنح كل يهودي حق العيش في البلاد.
تكوين مجتمع جديد
ارسيت الاسس السياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع اليهودي الحديث في إسرائيل في عهد الانتداب البريطاني (١٩٢٢-٤٨). فقد طوّر المجتمع اليهودي في ارض إسرائيل, تحدوه الايديولوجية الصهيونية, مؤسسات اجتماعية وسياسية مارست صلاحياتها دون ان تدعمها السيادة, ووضعت نصب اعينها تحقيق التماسك والنموّ. وكان التطوع بمثابة العامود الفقري للنشاط السياسي, في حين كانت المساواة بمثابة الغراء الاجتماعي. نتيجة لتحقيق الاستقلال السياسي توافدت الى البلاد اعداد هائلة من القادمين الجدد فتضاعف عدد السكان اليهود خلال السنوات الاربع الاولى من قيام الدولة (١٩٤٨-٥٢), من ٠٠٠,٦٥٠ الى ٣,١ مليون نسمة – الامر الذي ادى الى تغيير مبنى المجتمع الإسرائيلي وتركيبه. اسفر هذا الامر عن تكوين اجتماعي يعتمد على مجموعتين رئيسيتين: اغلبية تضم بدرجة رئيسية المواطنين اليهود القدامى والقادمين الجدد الذين نجوا من براثن النازية في اوربا؛ واقلية كبيرة تضم القادمين الجدد من يهود الدول الاسلامية في شمال افريقيا والشرق الاوسط. وفي حين كان السواد الاعظم من السكان الذين عاشوا في البلاد قبل قيام الدولة ملتزما بقناعات ايديولوجية قوية وباسلوب حياة ديموقراطي- الى جانب الروح الطلائعية – فان الكثيرين من اليهود الذين عاشوا في اقطار عربية طوال قرون عديدة نشأوا في مجتمع يسوده الالتزام بالمؤسسات العلئلية, فوجدوا صعوبة في التكيّف لمتطلبات مجتمع ديموقراطي حديث وفي الاندماج في الاقتصاد الإسرائيلي سريع النمو.
في اواخر الخمسينات, كانت هاتان المجموعتان تعيشان جنبا الى جنب دون ان يحدث بينهما تفاعل اجتماعي او ثقافي. وعبّر اليهود القادمون من اقطار شمال افريقيا والشرق الاوسط عن تذمرهم وشعورهم بالغربة فمارسوا نشاطات احتجاجية مناوئة للحكومة. واتخذت هذه الاحتجاجات في الستينات والسبعينات شكل مطالب بزيادة المشاركة في العمل السياسي وتوفير المزيد من المصادر والطاقات لها والقيام بخطوات ايجابية محسوسة لتضييق الهوة بين هذا الجزء من المجتمع والاجزاء الاخرى ذات الامكانيات الاوسع. واضطرت إسرائيل خلال سنواتها الاولى الى العمل المتواصل من اجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي والى الدفاع عن نفسها ازاء اعمال عدوانية من جانب دول عربية مجاورة. ومع ذلك فان القاسم المشترك المتين بين ابناء الشعب اليهودي, والذي تجلى في العقيدة الدينية والذاكرة التاريخية والتماسك القومي, مكن هذا الشعب من الوقوف امام التحديات التي واجهته.
مع بداية الثمانينات اصبحت الحركات الاحتجاجية التي كانت تتصدر العناوين ظاهرة هامشية, ونجحت فئات كانت موصومة اجتماعيا في التقدم على جميع المستويات. واصبحت نسبة كبيرة من الزيجات مختلطة, بغض النظر عن الخلفية العرقية. وقد اصبح المجتمع الإسرائيلي الآن, بعد نصف قرن من الاستقلال, مجتمعا مستقرا في جوهره. هذا الامر يدل على ثقافة سياسية تقوم على نوع من التفاهم بين مختلف الفئات الاجتماعية وعلى الالتزام بقيم اساسية: دولة يهودية في وطن قديم, حكم ديموقراطي, استيعاب القادمين الجدد, والسعي الى تحقيق السلام مع الدول المجاورة. ومع ذلك فان التباين العرقي هو من خاصيات المجتمع الإسرائيلي, وله تأثيره على جميع مناحي الحياة الثقافية والدينية والسياسية. واذا كانت التوترات الاجتماعية تبدو في الماضي وكأنها تهدد تماسك المجتمع في إسرائيل, فانها تساهم الآن في جعله مجتمعا تعدديا.
استمرار جمع الشتات
واصلت إسرائيل على مر السنين استيعاب القادمين الجدد الذين توافدوا الى البلاد في مجموعات كبيرة وصغيرة. وشملت آخر موجة من القادمين الجدد اعدادا كبيرة من يهود الاتحاد السوفياتي سابقا, الذين ناضلوا سنوات طويلة من اجل الحصول على حق الهجرة الى إسرائيل. وتمكن حوالي ٠٠٠,١٠٠ منهم من الهجرة خلال السبعينات؛ ومنذ عام ١٩٨٩ وصل اكثر من ٠٠٠,٦٠٠ منهم الى إسرائيل واستقروا فيها. ومن بين القادمين الجدد الكثيرون من المثقفين واصحاب المهن الحرة, وعلماء مشهورون وفنانون وموسيقيون ذوو مكانة مرموقة في العالم, وهم يساهمون مساهمة ملحوظة في المجالات الاقتصادية والعلمية والاكاديمية في إسرائيل.
وشهدت الثمانينات والتسعينات وصول موجتين من القادمين الجدد من ابناء الطائفة اليهودية العريقة في القدم في اثيوبيا, اذ يعتقد بانهم اقاموا في اثيوبيا منذ عهد الملك سليمان. ومع ان هؤلاء القادمين الجدد, الذين يبلغ عددهم ٠٠٠,٣٠ نسمة, يواجهون صعوبة في الانتقال من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي حديث, فان الجيل الناشئ يتوق الى الاندماج في المجتمع بسرعة, ولا شك ان هذه الطائفة التي كانت منعزلة عن سائر ابناء الشعب اليهودي ستنجح في نهاية المطاف في التغلب على الصعوبات.
المجتمع اليهودي والتدين
منذ العهود التوراتية اعتنق اليهود عقيدة التوحيد هي اليهودية, وهي تنطوي على مفهوم ديني وقومي في آن واحد. مع بداية القرن ال-١٨, كان معظم يهود العالم يعيشون في اوربا حيث كانوا منعزلين في جيتوات ولم يكن بينهم وبين المجتمعات القائمة حولهم سوى مدى قليل من التفاعل. وقد ادار اليهود شؤونهم الخاصة بهم في اطار الطائفة, استنادا الى الشريعة اليهودية (الهلاخا), وهي الشريعة التي وضعها وطوّرها علماء الدين اليهودي على امتداد مئات السنين.
في القرن ال-١٩ اجتاحت اوربا موجة من التحرر واليقظة القومية. واخترقت هذه الموجة اسوار الجيتو ايضا, فتولدت عنها مواقف اكثر ليبرالية ازاء التعليم والثقافة والفلسفة وعلم الديانات. واسفرت هذه الموجة ايضا عن تكون عدد من الحركات الفكرية اليهودية اتبع بعضها اتجاها دينيا ليبراليا, في حين تبنى بعضها الآخر ايديولوجيات قومية وسياسية. نتيجة لذلك, ابتعد الكثيرون من اليهود, ثم ابتعدت غالبيتهم عن التدين الصارم (الارثودوكسي). وحاول بعضهم الاندماج كليا في المجتمع الشامل.
يتكون المجتمع اليهودي في إسرائيل الآن من يهود متدينين وغير متدينين, يختلفون في مدى تدينهم. فمنهم الارثودوكس المتطرفون ومنهم من يعتبرون انفسهم علمانيين. على اي حال, ليست هناك خطوط تقسيم واضحة بين هذه الفئات. ويمكن القول ان ٪٢٠ من السكان اليهود ملتزمون بالفرائض والشعائر الدينية, وعلى هذا الاساس هم ارثودوكس. وهناك حوالي ٪٦٠ يلتزمون بقسم من الفرائض والشعائر, حسب ميولهم الشخصية وتقاليدهم. ويعتبر حوالي ٪٢٠ غير متدينين اطلاقا. ولكن, نظرا الى ان إسرائيل انشئت كدولة يهودية, فقد حدّد يوم السبت وجميع ايام العطل الدينية والمناسبات الاحتفالية كايام عطلة رسمية, يحتفل بها جميع السكان اليهود ويلتزمون بقدسيتها, كل حسب مدى التزامه الديني.
وهناك مقاييس اخرى يمكن استخدامها لتحديد مدى التزام جمهور معين باسلوب متدين, منها نسبة العائلات التي تؤثر توجيه اطفالها الى تيار تعليمي ديني, او نسبة الناخبين الذين يدلون باصواتهم للاحزاب الدينية. ومع ذلك فان مغزى هذه الاحصاءات ليس واضحا تماما, اذ ان عائلات غير متدينة قد تسجل اطفالها في مدارس دينية؛ كما ان الكثيرين من المواطنين الارثودوكس قد يدلون باصواتهم لاحزاب سياسية غير متدينة.
عموما, يمكن القول ان غالبية المجتمع اليهودي هي من اليهود العلمانيين الذين يتبعون اسلوب حياة حديثا, ولكنهم قد يلتزمون – بمدى او آخر – بالشعائر الدينية. وفي اطار هذه الاغلبية, يختار الكثيرون اسلوب حياة تقليديّا معتدلا, وينضم بعضهم الى احد التيارات الدينية الليبرالية.
ومن بين افراد الاقلية المتدينة, يجمع الكثيرون بين اسلوب حياة ملتزم بفرائض الشريعة اليهودية وبين المشاركة في الحياة القومية للبلاد. وهم يرون في قيام دولة إسرائيل خطوة اولى ممهدة لقدوم المخلص (همشياح), وبعث الشعب اليهودي في ارض إسرائيل.
خلافا لذلك, يعتقد ابناء الفئة المغالية في التدين (الحريديم) بان سيادة اليهود على ارض إسرائيل لا يمكن ان تتم الا بعد قدوم المخلص (همشياح). ويلتزم الحريديم التزاما صارما باصول الشريعة اليهودية, ويقطنون احياء منفردة, ويديرون مدارس خاصة بهم, ويرتدون لباسا تقليديا. ويخصص مجتمعهم, القائم في اطر محددة شبه مغلقة, دورا منفردا للرجل والمرأة. وفي هذه الفئة مجموعتان رئيسيتان: مجموعة صغيرة ومتطرفة, لا تعترف بالدولة وتعيش في معزل عنها؛ ومجموعة اخرى كبيرة تتبنى اتجاها عمليا, فتشارك في الشؤون السياسية, مستهدفة دعم الاتجاه الديني في دولة إسرائيل.
الديناميكية الداخلية بين الفئات اليهودية
نظرا الى انه لا يوجد خط فاصل واضح بين الدين والدولة, فان احدى القضايا المركزية التي تثير جدالا بين الفئات المختلفة هي: باي مدى يتوجب على إسرائيل ان تبرز هويتها الدينية. ففي حين تعمل زعامة اليهود الارثوذوكس على توسيع نطاق التشريع الديني ليتجاوز شؤون الاحوال الشخصية (حيث تنفرد المؤسسة الدينية الارثوذوكسية بالصلاحيات القضائية), يرى جمهور غير المتدينين ان في ذلك اكراها دينيا وتعدّيا على الطبيعة الديموقراطية للدولة. وتتركز احدى القضايا المطروحة باستمرار حول السؤال: ما هي العناصر المطلوبة حتى يتم تعريف شخص ما بانه يهودي. ويصر القطاع الارثوذوكسي على ان هذا التعريف يقتضي ان يكون الشخص قد ولد لام اليهودية. اما اليهود العلمانيون فانهم يرون ان المقياس لهذا التعريف يجب ان يكون القرار الفردي الذي يتخذه الشخص بالاندماج في اليهودية. نتيجة لهذا الجدال, ازدادت الجهود الرامية الى ايجاد وسائل قانونية تحدد الخط الفاصل بين الدين والدولة. والى ان يتم التوصل الى حل كامل, فان الجهات المختلفة تعتمد على اتفاق شفوي كان قد تم التوصل اليه عشية قيام الدولة, وهو الاتفاق المعروف بال-"ستاتوس كو" (اي الوضع الراهن), والذي ينص على عدم ادخال تغييرات جوهرية على الوضع القائم فيما يخص الدين.
مجتمع الكيبوتس
نشأ الكيبوتس كجزء من المجتمع الطليعي في البلاد في اوائل القرن العشرين, ثم تبلور فأصبح اسلوب حياة زراعيا مستقرا. ويعتبر الكيبوتس اطارا اجتماعيا واقتصاديا فريدا في نوعه, يقوم على مبادئ المساواة والمجتمع الجماعي. ونجح الكيبوتس على مر السنين في تأسيس اقتصاد متين, اعتمد في البداية على الزراعة وحدها, ولكنه اتسع فيما بعد ليشمل الصناعة والخدمات. وتميز الكيبوتس بمساهمة افراده الفاعلة في تأسيس الدولة وبنائها. وتولى الكيبوتس قبل قيام الدولة وفي السنوات الاولى لقيامها مهام رئيسية في مجالات الاستيطان والاستيعاب والدفاع. ولكن حين انتقلت هذه المهام الى الحكومة, تقلصت العلاقات بين الكيبوتس وسائر فئات الجمهور الإسرائيلي. كذلك تقلّص دوره الطليعي في مجال تطوير المرافق الاجتماعية والعامة؛ ومنذ السبعينات فقد الكيبوتس شيئا من نفوذه السياسي, بعد ان كان قد حظي بتمثيل سياسي يفوق ما يستحقه من الناحية العددية. على اي حال, فان مساهمة الكيبوتس في الانتاج القومي تفوق بكثير نسبة ابناء الكيبوتس من مجموع السكان.
واخذ الكيبوتس خلال السنوات الاخيرة يركز على انجازات الفرد وعلى التنمية الاقتصادية. ذلك ان تشغيل اشخاص من خارج الكيبوتس لم يعد ممنوعا, بل ان عدد العمال والمستخدمين الذين يعملون لقاء اجر آخذ في التزايد. وفي نفس الوقت يتزايد عدد افراد الكيبوتس الذين يعملون خارج اطاره, في حين تصرف اجورهم للكيبوتس.
الكيبوتس في وضعه الحالي هو حصيلة انجازات حققتها ثلاثة اجيال: المؤسسون الذين عملوا انطلاقا من ايمان راسخ وايديولوجية واضحة فأقاموا مجتمعا له اسلوب حياة فريد. وعمل الجيل الثاني, جيل الابناء, على تقوية الاسس الاجتماعية والاقتصادية والادارية للمجتمع الذي ولدوا فيه. اما الجيل الحالي, فقد نشأ في مجتمع مستقر ومزدهر, ووجد نفسه يواجه تحديات الحياة الحديثة. وينصب النقاش الآن على طبيعة العلاقات المستقبلية بين الفرد والمجتمع في الكيبوتس وحول توزيع المسؤولية بين الجانبين, وكذلك حول تأثير التطورات الاخيرة في مجال التكنولوجيا والاتصالات على حياة الكيبوتس. وهناك من يخشى ان يؤدي التكيّف للظروف المتغيرة الى ابتعاد الكيبوتس كثيرا عن مبادئه وقيمه الاصلية, في حين يعتقد البعض بان سر البقاء يكمن في المقدرة على التأقلم وعلى قبول الحل الوسط.
الحياة الاجتماعية في القطاع العربي
منذ بداية العهد الاسلامي في البلاد في القرن السابع الميلادي, كانت هناك موجات من الهجرة العربية الى البلاد, او الى خارجها. وتفاوتت هذه الموجات في حجمها, متأثرة احيانا بالظروف الاقتصادية. وفي اواخر القرن ال-١٩, مع ازدياد التطور وتحسن الاوضاع الاقتصادية, توافد على البلاد الكثيرون من ابناء الاقطار العربية المجاورة سعيا وراء مصادر الرزق والاجور العالية نسبيا والظروف المعيشية الحسنة.
وتعيش غالبية السكان العرب في إسرائيل في مدن صغيرة وقرى في اربع مناطق رئيسية: الجليل, بما فيه مدينة الناصرة, المنطقة الوسطى بين حديرة وبيتاح تكفا, النقب, والقدس. ويقطن قسم من السكان العرب في مدن مختلطة مثل عكا وحيفا واللد والرملة ويافا.
هناك عدة عوامل تساهم في المحافظة على الطابع الثقافي الخاص لكل مجموعة من الاقليات في البلاد, منها مثلا: استخدام اللغة العربية, وهي ثاني لغة رسمية في إسرائيل, وجود جهاز تعليمي خاص بالقطاع العربي والديني, وجود وسائل اعلام باللغة العربية, تطور النشاط الادبي والمسرحي؛ هذا الى جانب وجود محاكم شرعية اسلامية ومسيحية ودرزية تبتّ في الاحوال الشخصية.
ومع ان العادات والتقاليد تستمر في التأثير على مظاهر الحياة اليومية في الوسط العربي, فان هناك عوامل اخرى تساهم في تغيير وجهة النظر واسلوب الحياة التقليديين. من هذه العوامل تغير الاطر الاجتماعية التقليدية, وانتهاج التعليم الالزامي, والمشاركة في الحياة الديموقراطية في البلاد. في نفس الوقت طرأت تغييرات ذات مغزى على مكانة المرأة العربية في إسرائيل فاصبحت تتمتع بمدى اكبر من التحرر. كما ساهمت في تحسين اوضاع المرأة القوانين التي تحظر تعدد الزوجات وتحدد سنّا ادنى لزواج الفتيات.
ويعبر ابناء القطاع العربي في إسرائيل عن اهتمامهم الفعال بالحياة السياسية في البلاد عن طريق مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية والبلدية. ويدير المواطنون العرب الشؤون السياسية والادارية في البلديات الخاصة بهم, كما يمثل الاعضاء العرب المنتخبون في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مصالح القطاع العربي, ويعملون على دعم مكانة المواطنين العرب وزيادة نصيبهم من الميزانية. ومنذ قيام الدولة عام ١٩٤٨, اعفي المواطنون العرب من الخدمة الالزامية في جيش الدفاع الإسرائيلي, مراعاة للروابط العائلية والدينية والثقافية القائمة بينهم وبين العالم العربي (الذي كان له نزاع طويل مع إسرائيل)؛ وكذلك بسبب احتمال حالات من الولاء المزدوج. من جهة اخرى, هناك امكانية للتطوع في الخدمة العسكرية, وبالفعل يختار جانب من ابناء الاقليات هذه الامكانية. ومنذ عام ١٩٥٧ اصبحت الخدمة العسكرية الزامية بالنسبة للدروز والشركس, بناء على طلب زعماء هاتين الطائفتين. وفي نفس الوقت يزداد عدد الشبان البدو الذين ينضمون الى جيش الدفاع الإسرائيلي.
ديناميكية العلاقات العربية-اليهودية
يشكل المواطنون العرب في إسرائيل سبع مجموع سكان إسرائيل, كما يشكلون سبع الشعب الفلسطيني. وفي حين يعتبر عرب إسرائيل جزءا من الشعب الفلسطيني من حيث الثقافة والهوية, ويعارضون تعريف إسرائيل كدولة يهودية, فانهم يرون مستقبلهم مرتبطا بإسرائيل. وقد تبنى عرب إسرائيل على مر السنين اللغة العبرية كلغة ثانية, واصبحت الثقافة الإسرائيلية تحتل مكانا لا يمكن تجاهله في حياتهم. وفي نفس الوقت, فانهم يطمحون في تحقيق مدى اكبر من المشاركة في الحياة العامة, ومزيد من الاندماج في المجال الاقتصادي, ومزيد من الانجازات للقطاع العربي في البلاد.
ويلاحظ ان الفوارق القائمة بين القطاعين العربي واليهودي في البلاد من حيث العقيدة والقيم الاجتماعية والقناعات السياسية قد اعاقت حدوث تفاعل واسع النطاق بينهما. ومع ذلك, وبالرغم من هذه الفوارق, فقد تحقق على مر السنين نوع من القبول المتبادل بين القطاعين, حيث يعترف كل منهما بالصفات الخاصة المميزة للجانب الآخر وبتطلعاته, واتسع نطاق المشاريع المشتركة التي تشمل القطاعين.
التعددية والانغلاق
يعتبر المجتمع الإسرائيلي مجتمعا تعدديا, اذ يوجد بين فئاته تباين عرقي وثقافي وديني ولغوي. ولا توجد سياسة رسمية تفصل بين فئات المجتمع, الا ان بعضا من هذه الفئات ينتهج اسلوبا من الانغلاق ليحافظ على هوية ثقافية ودينية وعرقية – وربما على هوية ايديولوجية – متينة.
ولكن, بالرغم من وجود ظواهر لا يستهان بها من الانقسام الاجتماعي ومن الفوارق الاقتصادية, الى جانب جدال سياسي صاخب في كثير من الاحيان, فان المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع متوازن ومستقر نسبيا. واذا كانت الاحتكاكات بين الفئات الاجتماعية المختلفة تظل محصورة – رغم الاحتمالات لاحتدام التوتر بينها – فان ذلك يعود الى كون النظام السياسي والجهاز القضائي يقومان على ضمان المساواة المدينة والمساواة امام القانون لكل مواطن.
من هنا يتبين ان المجتمع الإسرائيلي ليس بمثابة بوتقة انصهار, بل هو بالأحرى فسيفساء قوامه عدد من الفئات السكانية تتعايش في اطار دولة ديموقراطية.
حرية العبادة
تضمن وثيقة الاستقلال لدولة إسرائيل (١٩٤٨) حرية العقيدة للجميع. ويحق لكل طائفة دينية, من الناحية القانونية والعملية, ان تمارس عقيدتها, وتراعي ايام الاعياد والعطلة الاسبوعية, وان تدير شؤونها الداخلية. ولكل طائفة مجلسها ومحاكمها الشرعية المعترف بها قانونيا, والتي تتمتع بسلطة قانونية في كافة الشؤون الدينية والاحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق. ولكل طائفة اماكن العبادة الخاصة بها التي تتميز بمراسم وطقوس تقليدية مميزة وبطابع معماري خاص تطوّر على مر العصور.
الكنيس: تقتضي مراسم الصلاة حسب اصول العبادة التقليدية لدى اليهود الاورثودوكس, تواجد عشرة رجال بالغين في الصلاة. وعلى المؤمن ان يؤدي الصلاة ثلاث مرات يوميا. ويجلس الرجال والنساء على انفراد في الكنيس, وعلى الجميع ان يحرصوا على تغطية الرأس. ويمكن ان يقود الصلاة حاخام او مرتل الصلوات (الحزان) او احد المصلين. والحاخام ليس قسيسا ولا هو بمثابة وسيط بين الانسان وربه, بل هو معلم. واهم مكان في الكنيس هو تابوت العهد, ووجهته جبل الهيكل المقدس في القدس. ويحوي هذا التابوت الاسفار الخمسة للتوراة. وتتم تلاوة جزء معين من التوراة كل اسبوع على مدار السنة. وتتخذ الصلوات شكلا احتفاليا في ايام السبت وايام الاعياد المقدسة.
المسجد: تقام الصلوات خمس مرات يوميا. ويصلي الرجال والنساء على انفراد. ويخلع المصلون احذيتهم ويتوضأون قبل الصلاة. ويؤدي المسلمون الصلاة ووجوههم تجاه مكة المكرمة, اي تجاه القبلة التي يشير اليها المحراب. ويقف الامام على رأس المصلين في المسجد. وفي يوم الجمعة, وهو يوم العطلة لدى المسلمين, تلقى خطبة الجمعة من على منصة المسجد.
الكنيسة: تختلف صورة الصلاة واوقات تأديتها على اختلاف الطوائف المسيحية, ولكن جميع المسيحيين يراعون قداسة يوم الاحد, وهو يوم العطلة, بطقوس دينية خاصة. ويقود الصلاة كاهن او قسيس. ويصلي الرجال والنساء معا. ويكون الرجال عادة حاسري الرأس, في حين تغطي النساء رؤوسهن. وغالبا ما تكون الصلوات مصحوبة بالعزف الموسيقي وبتراتيل الكورس. والكنائس المسيحية مبنية على شكل صليب, تمشيا مع التقاليد المسيحية.
الاماكن المقدسة:
تقوم السلطة الدينية المسؤولة لدى كل طائفة بادارة الاماكن المقدسة التابعة لها. ويؤمّن القانون حرية العبادة وحرية الوصول الى العتبات المقدسة.
يهودي: حائط المبكى – وهو ما تبقى من الهيكل الثاني – وجبل الهيكل في القدس؛ قبر راحيل في بيت لحم, ضريح الآباء في مغارة "المخبيلا" في الخليل؛ ضريح موسى بن ميمون (هارامبام) في طبريا, ضريح شمعون بار يوحاي في ميرون واماكن اخرى كثيرة.
اسلامي: الحرم الشريف, ويشمل عدة مبان اهمها مسجد قبة الصخرة والمسجد الاقصى في القدس؛ الحرم الابراهيمي في الخليل؛ جامع الجزار في عكا.
مسيحي: درب الآلام (فيا دلوروزا), غرفة العشاء الاخير, كنيسة القيامة واماكن اخرى تتعلق بصلب السيد المسيح في القدس؛ كنيسة المهد في بيت لحم؛ كنيسة البشارة في الناصرة؛ جبل التجلي, الطبغة وكفر ناحوم قرب بحيرة طبريا.
درزي: مقام النبي شعيب عليه السلام (ضريح يثرو, حمي سيدنا موسى) قرب حطين في الجليل.
بهائي: (عقيدة عالمية مستقلة أسست في ايران في منتصف القرن ال-١٩): المركز البهائي العالمي, معبد الباب في حيفا؛ معبد بهاء الله, مؤسس العقيدة البهائية, قرب عكا.
القراءون: هم فئة تعود جذورها الى القرن الثامن, وتؤمن بالالتزام حرفيا بالتوراة (الاسفار الخمسة التي أتى بها موسى) على انها المصدر الوحيد للتشريع الديني. ومع ان القرائين يعتبرون فئة في اليهودية, لا طائفة قائمة بحد ذاتها, فانهم يقيمون محاكم شرعية خاصة بهم ويميلون الى التزاوج داخل الفئة نفسها. ويعيش في إسرائيل حوالي ٠٠٠,١٥ من القرائين, معظمهم في الرملة وأشدود وبئر السبع.
السامريون: يعتبرون انفسهم يهودا حقيقيين, يؤمنون بالتوراة فقط وبسفر يهشوع. المكان المقدس لديهم هو جبل جريزيم, وهم يعتقدون بانه المكان الذي ضحي فيه سيدنا ابراهيم بنجله اسحاق, والمكان الذي اقام عليه الملك سليمان الهيكل المقدس الاول. ويعتقد السامريون بانهم من نسل الاسباط الإسرائيلية العشرة المفقودة؛ ويبلغ عددهم حوالي ٦٠٠ نسمة, وهم يعيشون الآن في مدينتين: نصفهم تقريبا في كريات لوزا قرب قمة "الجبل" (جبل جريزيم)؛ والنصف الآخر, وهم مواطنون إسرائيليون, يعيش في حيّ منفرد في مدينة حولون قرب تل ابيب. وهم يتكلمون اللغة العربية في حياتهم اليومية, في حين يستخدمون نوعا من اللغة العبرية القديمة في الطقوس الدينية. ويبدو انه لا يوجد في العالم سامريون سوى هاتين الفئتين.
*أخذت المعلومات من كراس لمركز الاعلام الإسرائيلي صدرت عام ١٩٩٧.